نورما شاهين- نادرة هي العلاقات من دون أقنعة. وجميل هو الوجه الحقيقي للانسان حين ينزع القناع ويُعبِّر بصدق عن حزنه ومشاعره وضعفه وأخطائه.
كم من أفكار تراودنا ولا نعبر عنها وتبقى الحقيقة محتجزة وراء نوع من رقابة ذاتية تحجب الوجه الحقيقي للانسان وتحد من تطور العلاقات.
هذا هو محور مسرحية “عن مضار التبغ” لأنطون تشيخوف التي عرضت اليومين الماضيين في جامعة البلمند. المسرحية من إخراج د. شارل ديك وترجمة د. نديم نعمه وتمثيل زياد نعمة. شهدنا في المسرحية روعة سقوط القناع وقوة التفاعل والتعاطف مع الشخص حين يُعبر بصدق عن مشاعره ومشاكله. بدا الممثل مرتبكاً منذ اللحظة الأولى. دخل ليشرف على عزف ثلاثة موسيقيين هم جوزف روحانا على العود، زاد خليفة على الرق وسام دبول على القانون. تنقل بينهم قبل أن يُعرّف عن نفسه. ثم أعلن أنه في صدد تقديم محاضرة عن مضار التبع بناءً على طلب من زوجته مديرة المدرسة. وخلال 55 دقيقة تحدث عن كل شيء الا عن مضار التبغ. ترك جانباً الموضوع ليخبرنا عن مشاكل تُسمم حياته اليومية. تحدث عن حياته الحزينة، عن علاقته الزوجية الفاشلة مع زوجةٍ قاسية بخيلة وبنات لا يعرف كيف يتواصل معهن. عن أحلامه التي لم يحققها، عن حياته المُذلة ورغبته في الهروب بعيداً.
وقف ليحاضر عن مضار التبغ لكنه ما لبث أن نزع القناع ليخبرنا أنه شخصياً يدخن، وأنه أستاذ موسيقى في مدرسة زوجته التي لا ترى فيه سوى “خيال صحرا” وأنه يشعر بأن حياته مسلوبة ويرغب في الحرية والهروب. لكنه يبقى. ولكي ينسى واقعه الحزين يغني. يهرب في الغناء.
شكراً د. شارل ديك على انتقائك لهذه المسرحية التي تترك موضوع العنوان جانباً لتدخل الى عمق رجل وتنقل حقيقته وشكراً لزياد نعمه الذي أحزننا وأطربنا وللموسيقيين الذين ملؤوا قلبنا فرحاً.