نورما شاهين – لطالما كان عيد مارسمعان فيع محطة بهجة تترافق خلاله الإحتفالات والصلوات بتقليد شعبي مميز ينتظره أبناء البلدة والقرى المجاورة أواخر شهر آب من كل عام. يجذب هذا العيد المؤمنين من كل مكان، يقصدون الدير للصلاة وإضاءة الشموع، ثم يجولون في أرجاء ساحة الكنيسة التي تتحول مساء ٢٩،٢٨و ٣٠ آب ملتقى لأبناء فيع والقرى المجاورة لاسيما بدبا، بطرام، قلحات،دده، بيترومين وغيرها.
“زيارة مقبولة” و”كل عيد وأنتم بخير” عبارات محببة وجميلة يتبادلها الزوار في ساحة يعلو فيها الطبل والزمر وتعبق رائحة المناقيش على الصاج واللحم المشوي والذرة والقمح المسلوق والحلويات.
الزوار، كبار وصغار، يقصدون دير مارسمعان لأسباب مختلفة. منهم من يعتبره تقليد سنوي مُهم يصعب التخلي عنه لاسيما وأنهم اعتادوا زيارة الدير مع أهلهم فباتوا يقصدونه اليوم مع أولادهم. أمّا الصغار، فهدف زيارتهم واضح وصريح على حد تعبير ربيع سعد
( ٨ أعوام) من دده “مارسمعان هو كنيسة وألعاب وأكل طيّب”. أما بطرس نخول(٥ أعوام) فهو يزور الدير طيلة فترة العيد، يُضيء شمعة، يرسم صليباً بالماء المقدس على جبين أمه وأخيه ثم يخرج للعب وشراء الهدايا من الساحة.
وبالنسبة إلى إبن فيع المهندس فرح كرم(٥٠ عاماً) فعيد مارسمعان كان ولا يزال مصدر حياة وبهجة للقرية والمنطقة كلها. ويعود بنا بالذاكرة إلى الزمن الجميل، حين كان في السادسة من عمره ينتظر بفارغ الصبر هذا العيد لتدب الحياة في البلدة فيتنافس الشباب على “تربيع الجرس” يومياً ابتداءً من ٢٠ آب وطيلة فترة العيد، وعرض مواهبهم في ميدان الخيل المجاور آنذاك للدير، فيما يستمتع الأطفال بركوب المرجوحة وبصندوق الفرجة وبتذوق أطيب المأكولات والحلويات. أمّا حلقات الدبكة، فكانت تشهد منافسة ممتعة بين الرجال الذين يعرضون مواهبهم وخطواتهم في الرقص بالإمساك على “راس الدبكة”. ويضيف فرح أن الصبايا العاذبات كان لهن دور في التحضير للعيد عبر الإهتمام بتنظيف الكنيسة، وكنّ يتسابقن على تنظيف كرسي المطران لأن الفائزة بهذه المهمة تكون الأوفر حظاً بإيجاد عريس لها. ويذكر جيداً حين كان يأتي تجّار الألعاب من القرى المجاورة، قبل أيام من العيد، لإختيار موقع وحجزه عبر كتابة أسمائهم على ورقة صغيرة ودقّها بالمسمار على جذع شجرة السنديان. فكان فرح ورفاقه يركضون من شجرة إلى أخرى لقراءة الأسماء التي غالباً ما كانت تتكرر كل سنة. بعض هذه الأسماء ما زالت محفورة في ذاكرته، فمن بدبا كان يأتي جميل أيوب وكامل ومن بشمزين شخص يشوي فقط “الكلاوي” ومن طرابلس باعة الحلويات والفلافل.
ومع إنتهاء العيد، يسود جو من الكآبة لاسيما لدى الأطفال كونه يتزامن مع فتح المدارس أبوابها، ومع مغادرة اللبنانين المغتربين الذين يحرصون دائماً على توقيت موعد السفرة بعد العيد.
وقد خصّ المهندس رفعت سابا،ابن فيع، هذا العيد بقسم كبير من كتاب مميّز حمل عنوان”صور من الماضي” تحدث فيه عن أهمية مارسمعان الدينية وتطرق إلى العادات والتقاليد التي كانت سائدة ومتنوعة إبتداءً من تزيين سطح الكنيسة وإنارته بالصفوة والكاز وفاءً للنذور، ولإعلام أبناء المنطقة كلها بقرب العيد، وصولاً إلى سهرات العيد وما يتخللها من منافسة على “رفع القيميات”،
وعرض مواهب أبناء الكورة في ساحة سباق الخيل، وفي حلقات الدبكة،التي كانت ذكورية آنذاك. ويتحدث سابا عن خروف العيد الذي كان يربّيه أبناء فيع لذبحه يوم العيد ومشاركته مع ضيوفهم مع الحرص على تقديم جلده للكنيسة.
اليوم، وبالرغم من التغيرات الكثيرة التي طرأت على طريقة الاحتفال بهذا العيد، فإنه كان ولا يزال محطة مميزة يلتقي فيها سنوياً أبناء الكورة والجوار للإحتفال بجو من الإلفة والبهجة.
زيارة مقبولة للجميع وكل عام وأنتم بألف خير.