X

تحلو الجلسة حول “الكركي” في بدبا الكورة

نورما شاهين- من يجول في بلدات الكورة أوائل شهر أيلول، لا بدّ له أن يُصادف جلسة مميزة، تُعتبر طقساً إجتماعياً تراثياً،”الكركي”. هي جلسة عائلية/قروية بامتياز، ينتظرها الأصحاب والأقارب سنوياً لاستخراج العرق، وغالباً ما يتأكد المغتربون من المشاركة فيها قبل مغادرتهم البلد مع “قنينة عرق بلدي مثلث”.
إن عملية إنتاج العرق البلدي هي من التراث اللبناني الذي لا يندثر، بالإضافة إلى كونها عملية مربحة، فهي تؤمن نوعية مميزة من العرق الذي يعتبر من المشروبات الروحية الرائدة على موائدنا خصوصاً إلى جانب الكبة نية والمازة اللبنانية والمشاوي.
في بدبا الكورة، تحت شجرة سنديان شامخة ومُعمرة، تجلس سيدة مميزة بعمرها ونشاطها ووعيها. فِضّة جريج، سيدة في ال٩٠ من عمرها، تجلس أمام “كركي” لم تعد قادرة على “تركيبها” لوحدها، ولكنها بالتأكيد قادرة على مواكبة عملية إستخراج العرق وإعطاء التعليمات والنصائح بدقة. فهي تعتبر نفسها المسؤولة الوحيدة عن” تطيين الكركي” بالصفوة والماء. “ما بأمّن حدا غيري يطيّنا، الشباب أولاد أختي يُشعلون النار ويؤمنون الماء كتّر خيرهم، نيّال اللي عندو قرابة من الترابة”. وتضيف العمة فضة “رزق الله على إيام زمان، كنت إعمل كل شيء لوحدي، حضّر مونة السنة كلها من عرق، تين بسكر، تين مهبل، خل، ملبن، زبيب…إيام، خيّ ما أحلاها، إيام صحة ما كان فيها أمراض مثل اليوم”. تتحدث ونظرها لا يفارق الكركي، ثمّ تطلب من إبن أختها ميشال موسى أن يخفف النار، “بس جمر ما بقا توقد حطب”. ميشال مغترب يعيش في المكسيك منذ أكثر من ٣٠ عاماً ولكنه يزور لبنان غالباً أواخر شهر آب لكي”يلحق موسم التين والعنب والكركي”. ويضيف ممازحاً أنها “جلسة لذيذة تماماً كطعم العرق البلدي”. جلسة حضرها مراراً عندما كان صغيراً، وشارك في جمع الحطب ومساعدة والده وهو اليوم يستمتع “بشيل العرق” مع والدته وخالته وقريبه أنطون البستاني، وهو أيضاً إبن البلدة المهاجر إلى المكسيك منذ سنوات.
يشرح ميشال كيفية قطف العنب وتحضيره والمراحل التي يمرّ بها ليتحول إلى “المشروب الأبيض” اللذيذ، بينما تستمع العمة فضة بدقة وتتدخل لتصحح بعد المعلومات. تبدأ العملية بقطف العنب إبتداءً من ٢٠ آب، ثم يُعصر في العصارة وهي طريقة حديثة أم أحياناً يتم عصره بالطريقة القديمة وهي العصر بالقدمين. ثم يوضع العصير مع القشور في برميل كبير ويغطى ويُترك لمدة ١٥ يوماً ليتخمر. وبعدها يأتي دور “الكركي” وهي آلة تُستخدم للتقطير. بداية، يتم إستخراج “السبيرتو”، الذي ينبغي قياس نسبة الكحول فيه قبل إضافة مادة اليانسون، في مرحلة لاحقة، وهي مادة حاسمة في تقرير نوع العرق وجودته. أما العمة فضة، فهي تفضل بيع السبيرتو ولكنها تترك “نزل عرق واحد فقط للشباب، بُكرا بيجو ولادي من السفر وبتكون ألفيّة العرق جاهزة”.
سنديانة شامخة، سيدة مُعمّرة، نبتة حبق وجلسة “كركي” مميزة يصعب نسيانها، خصوصاً مع كاس عرق.

Facebook Link

koura.admin:

Comments are closed.