نورما شاهين – كبرت مشكلة النفايات ككرة الثلج، وبعد سنين من معالجتها بطرق ملتوية وبعيدة كل البعد عن الشروط البيئية الدولية، تحولت كابوساً يُقلق جميع اللبنانين ويهدد صحتهم لاسيما والشتاء بات على الأبواب.
منذ أكثر من ثلاثة أشهر، غرقت بيروت وضواحيها في بحر من النفايات، وعاش اللبنانيون في كافة المناطق هاجس انتقال المصيبة إليهم في انتظار إتخاذ المعنيين الحلول المناسبة. وبعد طول انتظار، تم رمي الكرة في ملعب البلديات. وبين الدولة والشركات الخاصة والبلديات يبقى المواطن المتضرر الأكبر الأمر الذي يستدعي تعاونه الجدّي والمسؤول للحد من كمية النفايات وفرزها من المصدر في انتظار إيجاد الحلول ووضع الخطط لما في ذلك من خير للجميع.
وفي ما يختص بالكورة، أكد رئيس اتحاد بلديات الكورة المهندس كريم بو كريم “أن الكورة على استعداد للقيام بالمهمات الملقاة على عاتقها، فلكل مشكلة حل، شرط أن تتم العملية بوضوح تام، وبشكل موثّق ضمن خطة عمل تتضمن شروطاً واستراتيجية واضحة وصريحة”. وأضاف “أنه من الأفضل البدء بالفرز من المصدر الأمر الذي يستلزم ثقافة بيئية تُحضِّر المواطن وتحثه على المشاركة في حماية البيئة التي يعيش فيها”.
دور المواطن
وللوقوف عند دور المواطن اللبناني والكوراني بوجه خاص، كان لنا لقاء مميز مع الرئيس المؤسس لمجلس إنماء الكورة المهندس والخبير الزراعي الأستاذ جورج حنا جحى الذي تحدث عن أهمية مشاركة المواطن وضرورة اعتبار نفسه المعني الأول والمسؤول الأساسي في هذا الموضوع.
ونصح بالتوجه أولاً إلى طلاب المدارس، وتأسيس جيل جديد على مفاهيم بيئية سليمة، وحث المدارس على إقامة الحدائق المدرسية، ودعوة طلابها إلى تلقي الدروس البيئية في الهواء الطلق، وزرع الأزهار والخضار والإهتمام بالأشجار بهدف التقرب من الطبيعة والتنعم بفوائدها. كما شجّع أهالي الكورة، لاسيما الذين يملكون حديقة الى جانب منزلهم، على إنشاء حفر تسبيخ أو تخمير لتحويل فضلات المطبخ وبقايا الحديقة القابلة للتحلل الطبيعي الى مُخصب عضوي للتربة.
وفي هذا السياق، يُذكر أن أعضاء مجلس إنماء الكورة بادروا منذ ١٩٩٩بفرز النفايات في المنزل أولاً بأول وتسبيخها في حقل التجارب الزراعية والبيئية الخاص بالمجلس، وأقام المجلس ندوات ومشاهدات على الموضوع وأصبح في الكورة عدداً من العائلات تقوم بعمليات الفرز والتسبيخ وصناعة الكومبوست في حدائقها.
دور البلديات
ومن جهة أخرى، دعا البلديات إلى تنظيم لقاءات توعية مع أهالي القرى للتحدث عن ضرورة الحد من كمية النفايات وشرح كيفية الفرز من المصدر،عبر فصل المواد القابلة للتحلل الطبيعي عن المواد الممكن إعادة تدويرها. وأكد جحى على أهمية دور البلديات في تشجيع الأهالي على أخذ المبادرة والمشاركة في هذه العملية عبر توزيع الأكياس المناسبة مجاناً وإعفاءهم من جزء من الضريبة. ودعا البلديات إلى تبني مشروع تسبيخ النفايات العضوية القابلة للتحلل الطبيعي، وتحويلها الى مخصب عضوي للتربة الأمر الذي يؤدي إلى المحافظة على بيئة سليمة من الروائح الكريهة المنبثقة من تحلل فضلات المطبخ في أكياس النيلون، والاستفادة من المخصب لدعم الإنتاج الزراعي البيولوجي اللبناني. وعندما تفرز النفايات في المطبخ أولاً تبقى المواد القابلة للتدوير كالمعدن والخشب والكرتون والبلاستيك والنيلون نظيفة غير ملوثة يمكن إعادة تدويرها أو بيعها.
تجربة بلدة بترومين
وهنا ينبغي التنويه بالمبادرة السباقة التي قامت بها بلدية بترومين بتشجيع من رئيسها لويس قبرصي الذي شجع أهالي بلدته منذ ٢٠١٢ على ضرورة التخفيف من الضرر البيئي للنفايات والحرق عبر فرز النفايات من المنزل، والاستفادة من مدخول بيع البلاستيك والكرتون والنيلون ولاسيما وأن إيرادات البلدية ضئيلة جداً. وعن هذه التجربة يقول” لم يكن الأمر سهلاً في البداية، لذلك تم تنظيم لقاءات عدة مع الأهالي لإزالة القلق وشرح سهولة عملية الفرز فرحبوا بالفكرة، وتم توزيع الأكياس مجاناً لجمع المواد القابلة للتدوير”. ويضيف” اليوم، ومع انفجار مشكلة النفايات في بيروت، زاد وعي أهالي البلدة لأهمية الفرز التي يمكنني اعتبارها ناجحة ٩٠٪ وأصبحوا أكثر تعاوناً.” وبما أن معظم أهالي البلدة يملكون حدائق منزلية، فقد تم تشجيعهم أيضاً على عملية التسبيخ، والاستفادة من الكومبوست في زراعة الخضار والأشجار المثمرة.
التسبيخ أو التخمير
وقد أعدّ مجلس إنماء الكورة كتيباً شرح فيه عمليات تسبيخ النفايات القابلة للتحلل الطبيعي بمساعدة صور ملونة أُخذت خصيصاً للإيضاح. وقسّم النفايات إلى مواد صالحة لصناعة الكومبوست بالتسبيخ خلال فترة تتراوح بين بضعة أشهر وسنتين من دون إضافات كيمائية: بقايا الخضار،الفاكهة،الخبز،الحلويات، الحبوب،الألبان والأجبان، الأزهار، المعلبات، عيدان الكبريت، الطعام ومحارم الورق الناعم. أما المواد العضوية غير صالحة للتسبيخ لأنها تحتاج الى أكثر من سنتين لتتحلل طبيعياً نذكر منها: قشور البيض، العظام، حسك الأسماك، قشور الجوز واللوز، نواة الزيتون والتمر والفاكهة كاللوزيات، القماش والخيوط وجفت الزيتون.
ويشرح كتيب مجلس الإنماء صناعة الكومبوست في الحديقة المنزلية باتباع الخطوات التالية: احفر حفرة بطول مترين، عرض مترين، وعمق متر أو أقل على أرض منحدرة قليلاً. تُفرش الحشائش والقش في قعر الحفرة بطبقة سماكتها ١٥ سم، توضع الطبقة الأولى من قمامة المطبخ المنزلي بسماكة ١٠ سم، ثم تغطى بطبقة من الحشائش والقش بسماكة ١٥ سم، ثم تغطى بطبقة من التراب الزراعي بسماكة ٥ ملم. خلال فصل الصيف تضاف كمية من الماء فوق التراب مرة كل أسبوعين لزيادة الرطوبة في الحفرة. ومن وقت لآخر، ينبغي غرز عصا خشبية في عدة محلات الى قعر الحفرة لتهويتها. وبعد مرور سنتين على تعبئة الحفرة يحين موعد جني المحصول خلال الصيف ويستعمل لتسميد الخضار والأشجار المثمرة.
مشكلة النفايات قابلة للحل، شرط تظافر جهود جميع المعنيين إبتداءً من المواطن وصولاً الى البلديات والحكومات المختصة.